روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | تفاءل...ولا تخاف من الأمل!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > تفاءل...ولا تخاف من الأمل!


  تفاءل...ولا تخاف من الأمل!
     عدد مرات المشاهدة: 11353        عدد مرات الإرسال: 0

طالعتنا الصحف والقنوات الإخبارية مؤخرا بخبر عن علاج جيني لمرض تنكس المشيمية وهو مرض نادر يؤدي إلى العمى، ولم يكن له علاج في السابق، وهو ما يفتح الباب لعلاج أمراض أخرى مثل الجلوكوما.

الخبر بحد ذاته لم يستوقفني طويلا، فالتقدم العلمي المذهل لا يزال يفتح أبوابا لعلاج أمراض كثيرة كانت مستعصية في السابق، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله داء، إلا وأنزل له شفاء» أخرجه البخاري، وفي زيادة بمسند أحمد «علمه من علمه وجهله من جهله».

ولكن الذي إستوقفني في هذا الخبر، تلك القصة الإنسانية لمحامي بريطاني يدعى توبي سترو ويبلغ من العمر 56 عاما، فعندما كان في العشرين من عمره أبلغه الطبيب بأنه سيكون قد فقد بصره بالكامل عند بلوغه الخمسين، فقال للطبيب مصدوما: ماذا تعني؟، فرد الطبيب قائلا: عندما تكون في الخمسين لن تتمكن من أن تراني.

ولكن الأمور سارت على غير ما توقع هذا الطبيب الذي أثقل قلب هذا الإنسان باليأس، وألقى عليه الأمر وكأنه حقيقة مسلمة لا فكاك منها.. فقد كان المحامي سترو ضمن فريق المتطوعين الستة الذين خضعوا للعلاج الجيني الذي قام به باحثون من جامعة أكسفورد، وفي عام 2012 خضع لحقن عينه بفيروس يحمل جينًا لعلاج نقص للبروتين كان يدمر خلايا الشبكية أصبح بوسعه الإستمتاع بممارسة رياضة التنس المحببة إليه ومواصلة عمله في المحاماة بنجاح.

وقال سترو: طوال السنوات الثلاثين التي مضت كنت أعيش في حالة من الفظاعة، كنت أنتظر النهاية الحتمية، وهي الفقدان الكامل للبصر، لكن الآن ومع هذه النتائج فلا زال بمقدوري الرؤية، وهو أمر رائع بكل تأكيد.

متطوع آخر خضع للعلاج الجيني اسمه وين ثومبسون بعد أن أصبحت قدرته البصرية محدودة للغاية، وكان أمله الوحيد أن تنجح العملية في وقف ضمور خلايا شبكية العين والحفاظ على ما تبقى له من البصر، ولكن العلاج الجديد لم يوقف تدهور إبصاره فحسب، بل حسن قوة إبصاره.

وما لمس قلبي بقوة هذه الجملة لثومبسون: لقد عشت 25 عاماً متأكداً أنني سأصبح أعمى في يوم ما، ولكن بعد الجراحة لم أحتفظ ببصري فحسب، بل تحسنت قدرتي على رؤية الألوان، وأصبحت قادرا على رؤية نجوم السماء لأول مرة منذ 17 عاما عندما بدأ بصري يضعف.

ـ وإذا مسّه الشر كان يئوسا:

عندما قرأت هذا الخبر، ترددت بداخلي هذه الآية بقوة: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28].

لم أستطع أن أقاوم هذه الفكرة: ماذا لو اطلع هذا المحامي عندما كان في العشرين من عمره وأخبره الطبيب بالخبر المزلزل بأنه بعد ثلاثين عاما لن يكون أعمى، بل سيتلقى علاجا يحفظ ويقوي له إبصاره؟..

هذه الأعوام الثلاثين التي عاشها بـ فظاعة على حد قوله.. كيف كان ليعيشها إذا علم أن رحم الغيب يحمل له نبئا سارًا وشفاءًا؟!..

وهل كان قلبه ليطمئن إذا قال له أحدهم: لا تتوقع البلاء.. فما بين طرفة عين وإنتباهتها يغير الله من حال إلى حال، أم كان سيعتبر هذا الكلام نوعا من الأمل الواهم وسراب السعادة الذي لا يصمد أمام الحقائق العلمية والطبية؟!..

نعم.. فالإنسان عندما تلوح له شدة أو محنة في الأفق يقع فريسة للتشاؤم، ويعتبر أن كل حديث إيجابي هو تفاؤل ساذج لا حظ له من العقل أو الواقعية، وكما قال ربنا تبارك وتعالى عن الإنسان: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت:49].

والحقيقة أن اليأس هو الذي يظهر كذبه، وأن التوقعات السيئة غالبا ما تخيب، وكما قيل: أكثر ما يُخاف لا يكون.

¤ علاج الوسواس القهري:

يعاني كثير من البشر من الوسواس القهري وخاصة فيما يتعلق بالمرض، فتضيع على الإنسان سنوات العافية منتظرا لبلاء متوهم، ولا علاج لهذا الوسواس إلا بأن يصطدم القلب البشري بالحقائق، ولكن أن يراها كاملة بعين الإيمان والعقل، وليس بعوار التشاؤم واليأس.

نعم.. ما من ضمانات في هذه الحياة، قد يقع البلاء في لحظة، ولكنه قد يرتفع في لحظة أيضًا..

الحياة الدنيا مطبوعة على الكدر، ولا تصفو سعادتها.. ولكن البلاء أيضا لا يتمحض شرا، ولا يخلو من رحمات الله ولطفه.

العافية لا تدوم.. وكذلك البلوى لا تدوم.. والوعد الرباني هو {سيجعل الله بعد عسر يسرا} [الطلاق:7].

الأمل في الله ليس وهمًا، بل اليأس هو الوهم.. لأن الله تعالى وصفه بالكفر، ولا يكون الكفر إلا أبطل الباطل: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].

¤ فلا نامت أعين الجبناء:

في حياتنا مئات بل آلاف القصص التي تحمل لنا عبرة، بألا نطمئن إلا بذكر الله، وأن يكون ذكر الله ملاذا حقيقيا لقلوبنا.. فكم من شخص قوي البدن.. في أتم الصحة والعافية، وفي عزّ الشباب.. يتعرض لحادث يجعله قعيدا.. وآخر معتل لا يمشي إلا متكئا على عكاز ولكن قدميه تحملانه حتى مماته..

وكم من شخص يعيش عمره خائفا منكد البال يتوقع نزول البلاء في كل لحظة، فلا يكاد يتم عملا، أو يهنأ بنوم أو طعام، أو يجدي نفعا في هذه الحياة.. فهو يشعر دوما بأنه على حافة الهاوية التي لن يقع فيها أبدًا! ولكنه عانى في إنتظاره من العذاب.

وآخرٌ يمضي قدما في حياته بعزم وثقة بالله، يغتنم كل لحظة في حياته، ويستمتع بطيبات ما أحل الله له، فيتذوق لذة العافية حتى وإن وقع به بلاء فإن قوة قلبه، وصحة إيمانه تجعلانه في إنتظار للفرج، وإحتساب للألم، وموعد قريب مع عافية تتجدد.

إن هذه الحياة لا يمكن للإنسان أن يحياها على خير إلا والآخرة نصب عينيه، فإذا إبتلي بالخير لا يطغى ويركن للدنيا، لعلمه أن الحساب قريب، وإذا إبتلي بالشر لا ييأس ولا يجزع لعلمه بما للمبتلى من جزاء عظيم يتمنى من أجله أهل الموقف كلهم أن لو إبتلوا ببلائه وأشد.

لا ضمانة في هذه الحياة إلا أن يتوكل الإنسان على ربه، ويثق بحكمته وتقديره، ويوطن نفسه على أن يجعل حياته باسمة هانئة نافعة له وللآخرين في كل حال.

الكاتب: مي عباس.

المصدر: موقع رسالة المرأة.